أقسام







مجلة حراس مصر

مجلة حراس مصر
مصرية ..باقلام وطنية تحت التأسيس

شمعة جديدة مع هيكل بقلم: يحيى قلاش

                                                         الكاتب الصحفى الكبير يحى قلاش

الأحد 23 سبتمبر 2012 يكمل الأستاذ محمد حسنين هيكل عامه 89. بهذه المناسبة أعيد نشر مقال لي كتبته عنه بالجمهورية عام 2008، تحية للأستاذ الذي يذكرنا وجوده بيننا أنه كانت فيه صحافة في مصر!

...................................................................................................................................................................
بالأمس أضاءت وتوهجت شمعة جديدة في عمر الكاتب الصحفي و"الجورنالجي" محمد حسنين هيكل، الذي أتم عامه الخامس والثمانين أمس الأول الثلاثاء. ومن واجبنا أن نعترف للرجل بقدره وقيمته، وأن نعترف لأنفسنا بأننا نعتز بالانتماء لمهنة صنع هو مساحة كبيرة من ثقافتها وتقاليدها ومكانتها، وكان نسيجا وحده بين الأعلام والنجوم من أبناء جيله من الصحفيين والكتاب، وقامة لم يطلها أحد، ونموذجا فريدا على خريطة الصحافة المصرية والعربية، بل يكاد يكون الوحيد منها الذي انطلق إلى آفاق الصحافة الدولية وحظي بعلاقات متميزة بالزعماء والقادة وصانعي القرارات المصيرية في كل مناطق الأحداث بالعالم. 
تنقل هيكل بين أكثر من جريدة حتى تربع على قمة الأهرام نحو 17 عاما ليخرج منها بعد اختلافه مع الرئيس السادات ويترك مكانه وعمره 51 عاما، ولكن على مدى 34 عاما تالية ظل يحتفظ بمكانته على قمة مهنة حفر فيها تاريخه بقلمه ودأبه وبموهبته الفذة ووعيه ورؤيته ومواقفه الشجاعة والصلبة لكل ما يجري حوله ويدور، وعندما حاول الاستئذان في الرحيل من الكتابة المنتظمة منذ خمس سنوات أصبح حضوره طاغيا. ورغم خلاف كثيرين معه إلا أنه لم يختلف عليه أحد أبدًا.
شاءت الأقدار ورتبت أثناء وجودي عضوًا بمجلس إدارة نقابة الصحفيين على مدى أكثر من دورة أن ألتقيه وأقترب منه خلال ثلاثة أحداث، كانت المرة الأولى عقب أزمة القانون 93 لسنة 1995 الذي أطلق عليه قانون اغتيال الصحافة، وأثار ردود فعل واسعة غاضبة في أوساط الصحفيين وتقررت الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة في العاشر من يونيو وارتفعت وتيرة الرفض وتصاعدت حدة الكتابات المنتقدة، وقبل يومين من انعقاد الجمعية تذكرت أن صوتا مهما وفريدا في المهنة وقيمة كبرى في الوطن لم ينطلق بعد، وفكرت في مخاطبته وظني أن حماسي يغلبني لكن لم يكن غير الحماس هو الذي يصيغ تفاصيل هذه اللحظات، وتشاورت مع الزميل علي هاشم وكان هو السكرتير العام للنقابة في ذلك الوقت وبعثت للأستاذ هيكل برسالة موقعة مني على الفاكس لا تزيد عباراتها على: "جمعيتنا العمومية بعد غد السبت.. مازلنا ننتظر كلمتك"، وسأل عني وطلب أن أحضر إلى مكتبه قبل ظهر يوم انعقاد الجمعية، وعندما دخلت عليه في الموعد المحدد كان خلف مكتبه بكامل أناقته المعتادة وعلى الفور وجه كلامه إليّ: "طلبت كلمتي وعدت إلى مكتبي في يوم عطلة لكي أكتبها، فلك ما طلبت وأنت مؤتمن عليها"، وكانت كلمة هيكل التي قمت بإلقائها خلال أعمال الجمعية العمومية الحاشدة حدثا مدويا أعطى وقودا وزادا لمعركة استمرت ما يزيد على العام وخرجت بالقضية إلى آفاق أرحب وأصبحت من الأدبيات المهنية والنقابية والسياسية الرفيعة بكل المقاييس.
وكانت المرة الثانية بعد خمس سنوات من هذا التاريخ، عندما قررت النقابة تخصيص جائزة تقديرية رفيعة لمن لهم إسهامات جليلة وبارزة في المهنة، وتم تشكيل مجلس أمناء من كبار الكتاب والصحفيين برئاسة نقيب النقباء كامل زهيري للاختيار، وكان الأستاذ هيكل هو من وقع عليه اختيار اللجنة بالإجماع للحصول على هذه الجائزة للمرة الأولى في تاريخ النقابة، وشهد الاحتفال الذي حضره بهذه المناسبة أعداد غفيرة ولم يكن هناك موطئ لقدم بالنقابة وكانت حركته داخل المبني بالغة الصعوبة وسط كتل بشرية شكل أغلبها شباب الصحفيين. وفي كلمته أمام هذا الحشد قال هيكل: "أنا لدي حساسية إزاء احتفالات التكريم، فإذا كانت رسمية زادت الحساسية عندي لكثرة ما تزيد المراسم، وموقفي في هذا الأمر يصدر عن اعتقاد بأن تكريم أي صحفي هو من سلطة قرائه وحدهم، في صلة لا تحتاج إلى مناسبات لأنها حياة كل يوم، لكنه على الجانب المقابل وهذه المناسبة فإن صاحب الفضل هو نقابة الصحفيين وفضلها ليس بالرتب كبيرة أو صغيرة، وليس بالألماس المرصع أو الذهب المشغول، وإنما هو الفضل المعنوي يحتاجه أولئك الذين ينتظرهم الغد، وفي نفس الوقت لا يستغني عنه أولئك الذين وضعوا مستقبلهم وراءهم".
أما المرة الثالثة فكانت عندما التقى الأستاذ هيكل، وبعد نحو 5 سنوات أخرى من التاريخ السابق، نقيب الصحفيين الأستاذ جلال عارف وأعضاء المجلس على مدى ساعة ونصف الساعة مساء 30 أكتوبر 2005 وأبلغهم خلاله ما استقر عليه الرأي من استئجار مقر لمؤسسة هيكل للصحافة العربية في أحد الأدوار الاستثمارية بمبنى النقابة لتحتضن بحمايتها المعنوية كافة محتويات مكتبته المؤسسة وخصوصا ما يحتفظ به من وثائق سياسية ومهنية، واعتبار تلك حصانة خاصة أدبية يوفرها الصحفيون أنفسهم وفي نقابتهم لسلامة مشروع أنشئ، من أجلهم ومن أجل رفاقهم في المهنة من الصحفيين العرب. ورغم أن التنفيذ سار خطوات للأمام إلا أن الأستاذ هيكل أرجأ استمرار مشروعه من داخل النقابة وأبدى بعض المبررات أعلنت اختلافي معه فيها. وبادرت المؤسسة بتنفيذ الشق الخاص بالتدريب من مقر مؤقت إلا أن الجانب الكبير من أهدافها والخاص بالوثائق والأوراق والمكتبة المهنية والسياسية ومكتب الخدمات المهنية وغيرها مازال متعثرا.
خلاصة الأمر أنه في كل هذه المرات كان هيكل الذي تحول إلى ظاهرة في عصرنا متفاعلا ومهموما بمهنته وأوضاعها عارفا بفضلها خائفا على مستقبلها مؤمنا بأجيالها الجديدة وقدرتهم على الانطلاق مرددا أن هذه المهنة أعطته بلا حدود وآن الأوان ليرد لها بعض الجميل. ومازال بعد كل هذا المشوار والعمر المديد يضرب لنا المثل والنموذج لمن عاش المهنة وتنفسها، ولم يأخذها مطية مثل الذين نزحوا منها الملايين والمليارات وخربوا الصحف والمؤسسات ثم ولوا الأدبار آمنين فرحين بما نهبوا.

ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة

اعلان

مجلة حراس مصر تصميم بلوجرام © 2014

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدفاع للتنمية وحرية الاعلام والابداع ..الاراء المكتوبة مسؤلية اصحابها . يتم التشغيل بواسطة Blogger.