أقسام







مجلة حراس مصر

مجلة حراس مصر
مصرية ..باقلام وطنية تحت التأسيس

عنتر عبداللطيف يكتب : أحلام بائع البطاطا



بيديه الضعيفتين راح يدفع عربة البطاطا امامة .. الميدان فسيح مثل ملعب النادى الذى رآه يوما من خلف الاسوار الحديدية .. تمنى ان يلعب الكرة يومها مع الأطفال مثلما يتمنى الآن ان يتظاهر مع الغاضبين ويهتف " عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية ".. صخب الميدان ووهج النيران المنبعث من الفرن فى البرد القارص يذيدانه حماسة .. فيدفع العربة بقوة دائرا حول الصينية المنصوبة فوقها الخيام والجالس على حوافها شباب يرتدى اقنعة لشخص يسمونه "بانديتا" .. وشباب آخر ارتدوا السواد وملثمين قيل انهم "البلاك بلوك" .. ظل لايام يحاول حفظ هذه الكلمات الغريبة وعندما كان ينسى إحدى الكلمات يسأل اقرب الواقفين اليه
- والنبى يا عمو.. انت من الباك بوك
فيبتسم الشاب ويتنبه الى الطفل وعربته ويداعبه
- دوقنى البطاطا واقولك
- يقول الطفل : حاضر ياعمو
- يضحك الشاب :" انا بهزر معاك هات بجنيه .. اسمك ايه يا حبيبى"
- عمر
يقول الشاب وهو يتناول منه البطاطا ويمنحة النقود
- اسمها "بلاك بلوك" ياعمر
يظل يرددها وهو يطوف الميدان بعربته " شباب زى الورد .. طيبين .. يخافون عليه من طلقات الخرطوش وقنابل الغاز واذا ما هاجمت الشرطة الميدان كانوا يساعدونه على الاختباء فى اقرب شارع جانبى لكنه لا يخاف على نفسه بقدر خوفه على "أحلام "بائعة المناديل .." أحلام" تصغره بسنتين .." أحلام" لم تأت اليوم انه ليشعر بالقلق عليها .. يدخر جنيه يوميا ويضعه فى مكان سرى اسفل السلم المواجه للحجرة التى يعيش فيها مع ابيه وامه وشقيقتيه .. لكى يشترى حذاء ويهديه اليها بدلا من حذائها المهترىء نبه عليها ان تترك الميدان عقب صلاة العشاء فالميدان لم يعد امان.. "حكشة "بائع السجائر المهربة يأتى فى المساء ويأخذ من كل بائع خمسة جنيهات وياويل من يعترض لكن بائع البطاطا استطاع ان يكسب عطف "حكشة " بحيلة ماكرة قال له يوما وهو يضع الجنيهات المعدنية الخمس فى يديه "
- انا بكره مش جاى الميدان .. رايح ازور ابويا فى الترب "
- يجزع "حكشة" وتتقلص ملامحة و يهتف وهو يعيد اليه النقود
- " انت ابوك ميت .. حد الله بينى وبين الحرام "
" بانديتا .. بلاك بلوك .. صاح فرحا " اخيرا حفظتهم " تمنى ان يرتدى القناع ويرتدى الملابس السوداء ولكن الملابس غالية الثمن.. لكنه تنبه إلى ان لديه فى الحجرة جاكت كالح بأكمام " لاشترى قناع بانديتا إذن واكون واحدا من الثوار " دفع عربته جهة بائع الاقنعة " مينا بكام الوش من دول " يقدم اليه الولد قناعا وهو يقول " عيب ياعمر من غير فلوس احنا زملاء " .. خبأ القناع امام الحجرة بجوار عربة البطاطا .. قرر ان يداعب والده .. دخل الى الحجرة .. بحث عن الجاكت حتى وجده ملقى بجوار موقد الكيروسين.. فرصة فأبيه ليس بالحجرة وامه لم تهتم بما يفعل .. إرتدى الجاكت فوق قميصة المتسخ ووضع القناع على وجهة .. وجلس بجوار عربة البطاطا .. مختبىء يترقب قدوم ابيه .. مر الوقت ببطء.. كاد يصيبه الضجر إلا انه سمع صوت حفيف اقدام .. وسمع سعال .. فتحفز.. وقدر المسافة حتى كاد ابيه ان يمر من جواره فقفز عمر صائحا " هااااااااا" هتف الرجل مزعورا "اعوذ بالله" ثم تنبه الى ابنه فصرخ غاضبا :
- هو انت يا ابن الكلب
وامسك الطفل من زراعة ونزع القناع من على وجهة وصفعة بقوة وقال وهو يزمجر:
- لابس وش زى العيال بتوع الثورة عايز تودينا فى داهية انت فى التحرير تبيع بطاطا وملكش دعوة بالسياسة
طوح بالقناع فى فوهة فرن البطاطا التى مازال بها بقايا فحم متقد واردف :
- فاهم يا ابن الصرمة
يهرب الطفل من امام ابيه تلاحقه رائحة القناع المحترق .. يتكوم فى احد اركان الحجرة وينام باكيا.. وتخشى والدته من غضب زوجها فتكتفى بتغطية طفلها بملائة قديمة
" ها هو الميدان مرة اخرى انه ليشعر بالحرية وهو يتجول بين المتظاهرين .. يحاول ان يفهم ماذا يقول معتلى المنصات فلا يستطع فيشغل نفسه بالزبائن والبحث عن "أحلام" .." أحلام" لم تات منذ يومين اين ذهبت ؟.. هل رفضت دفع الإتاوة لحكشة فضربها ومنعها من دخول الميدان .. القلق ينهشه .. تجول عينيه فى كل الوجوه فلا يراها .. يسمع ضجيج واناس يجرون فى كل اتجاه.. واصوات طلقات نارية وقنابل غاز .. لا يهتم .. تعود على ذلك .. فقط يسرع بعربته الى شارع جانبى .. يلمح جنودا قبالته .. يتنفس بصعوبة فرائحة الغاز تفوق الاحتمال يشعر بوخز فى قلبه.. وقبل ان يضع راحة يده مكان الالم يرتطم شىء ما برأسه .. يسقط "عمر" بجوار عربة البطاطا .. تهرول الاقدام من حوله ..بصعوبه يرى المتظاهرين وكأنهم اشباح .. تقترب وجوه كثيره منه وهم يصرخون .. يبحث فى الوجوه عن" أحلام" .. اين هى الآن ؟.. الدم اللزج يغطى وجهه .. يملأ عينيه .. تتسرب الى انفه رائحة البطاطا مختلطة برائحة الغاز ود ان يهتف " أحلام " .. لكنه مات !!

ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة

اعلان

مجلة حراس مصر تصميم بلوجرام © 2014

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدفاع للتنمية وحرية الاعلام والابداع ..الاراء المكتوبة مسؤلية اصحابها . يتم التشغيل بواسطة Blogger.