أقسام







مجلة حراس مصر

مجلة حراس مصر
مصرية ..باقلام وطنية تحت التأسيس

النفس الاخير للرئيس مرسي..رعاياك يريدون منك الصدق ..بقلم ناجى هيكل

                                                            ناجى هيكل كاتب صحفى مصرى
                                                   
فى البدء كانت أمه. تنظر لابتسامته التى ارتسمت على شفتيه وهو نائم لتدرك أن الملائكة يلعبون معه. تمسك بأطراف أصابعه وهى تساعده على المشى. تحتضن الدنيا فيه إذا استيقظ باكياً وتطبع قبلتها على جبينه. تغار من حبه لوالده الذى لم يتعب فيه كما تعبت لكنها تدرك أن الابن سر أبيه، وأنها تعشقهما معاً. فى اليوم الأول للمدرسة تصطحب الكاميرا لتصوره. تتسلل وتنسحب حتى لا يشعر بها فيبكى.تعاتبه على أكل اللانشون حاف، وانتقاء البسطرمة وحدها من طبق البيض بالبسطرمة، وتتشاجر معه لأنه لا يريد أن يكمل اللبن، لكنها تحتضنه وهو يدخل من باب مدرسته ويعمل لها (باى باى). تحبه مدرسته وتتمنى أن تنجب طفلاً يشبهه، و(تتوحم) عليه بعد أن تتزوج، وتمرر أناملها بين شعره، وتتصنع الغضب منه إذا لم يعمل واجبه، فإذا بكى احتضنته وأعطته البونبونى وقالت له إنها تفعل معه ذلك لأنها تريده (شاطر). يجرى فى الحوش ويحرز هدفاً فى (حصة الألعاب) فتصفق له البنت التى سيحبها فيما بعد، وستبتسم فى خجل وهو يقول لها: «بحبك» لكنه سيعرف أن أجمل قصص الحب هى تلك التى لا تكتمل، وأن حبيبته لم تأت بعد. ستكبر شقيقته الصغرى، ويصبحان «ناقر ونقير»، لكنها ستحبه لأنه يأتى لها (بالبنبون) حين يريد أن يصالحها، ويمسك يدها وهما يعبران الشارع ليشعرها أنها فى أمان. فى الجامعة ستحبه زميلته وسيعشقها ويخاف عليها، ويكلمها بالساعات على الموبايل، ويغار عليها من الجميع، وسيحب أن يكمل حياته معها وتصبح أم أولاده، لكنه سيقرر تأجيل التفكير فى كل شىء، وأى شىء، لما بعد هذا اليوم. تقول حبيبته التى هى أمه، ومدرسته، وجارته، وزميلة دراسته، وأخته الوحيدة: لا شىء يهم بعد المكالمة. كل شىء يضيع.
لم يكن من ضمن الاحتمالات أن يقتل فى مظاهرة سلمية، أو يدهس فى مسيرة تطالب بالحقوق، أو يفقد عينيه وهو يهتف، أو يلقى من مدرج ذهب إليه ليشاهد مباراة بعد أن تكسر رقبته، لكن هذا ما حدث. ستنظر لابتسامته وهى تدرك أنه مع الملائكة الآن، وتمسك بأطراف أصابعه لمرة أخيرة قبل أن يغطوه بالقماش الأبيض، وتطبع قبلة على جبينه، وتجلس لتنتظر من يأتى بحقه.
ستمشى فى كل المسيرات، وتحضر كل الاجتماعات، وتظهر فى كل البرامج، وتصدق كل الوعود، لكن الأكيد أن من قتلوا ابنها لم يحاسبوا، وأن المحكمة قررت الاطمئنان لأقوال لواء وعضو مجلس عسكرى سابق قال عن نفسه إنه يروج للشائعات فى ميدان التحرير وقت الثورة، واتهم حركة 6 أبريل بالباطل ولم يقدم دليلاً على اتهاماته، ومع ذلك اطمأنت المحكمة لأقواله دوناً عن أى شهود آخرين لتبرئ متهمين يعلم الجميع أن أغلبهم ضالعون فى قتل ابنها.
ابنها الذى كان يحمل اسماً وحلماً فى وطن أفضل، وكانت له حبيبة تحملت رؤيته والخرطوش يملأ جسده والدماء تسيل منه وعيناه مفارقتان للحياة وما زالت رائحة ملابسه هى كل ما تملك فى الحياة، أملاً فى عدل وعد به رئيس، ومحاكمة حقيقية تعهد بها ولم يفعلها حتى الآن. هو أيضاً كانت له حبيبة لا تتمنى أى شىء الآن سوى أن تذهب إليه، وتترك كل هذا العبث، ولتطمئن المحكمة كما تريد.

ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة

اعلان

مجلة حراس مصر تصميم بلوجرام © 2014

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدفاع للتنمية وحرية الاعلام والابداع ..الاراء المكتوبة مسؤلية اصحابها . يتم التشغيل بواسطة Blogger.